قوله جلّ ذكره: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}.والقومُ عن الدارِ وعمَّن في الدار مُخْتَطَفون لاستيلاء ما يستغرقهم؛ فالشرابُ يؤنِسُهم ولكن لا بِمَنْ يجانسهم؛ وإذا كان- اليومَ- للعبد وهو في السجن في طول عمره ساعة ُ امتناع عن سماع خطاب الأغيار، وشهود واحدٍ من المخلوقين- وإنْ كان ولداً عزيزاً، أو أخاً شفيقاً- فمِنَ المحال أنْ يُظَنْ أنه يُرَدُّ من الأعلى إلى الأدنى.. إِنْ كان من اهل القبول والجنة، ومن المحال أن يظن أنه يكون غداً موسوماً بالشقاوة.وإذا كان العبدُ في الدنيا يقاسي في غُرْبتَه من مُقاصاة اللتيا والتي- فماذا يجب أن يقال إذا رجع إلى منزله؟ أيبقى على ما كان عليه في سفرته؟ أم يلقى غير ما كان يقاسي في سَفْرته، ويتجرع غير ما كان يُسْقى من كاسات كُرْبته؟قوله جل ذكره: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومٍ}.لولا أَنهم قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا} لكانوا قد لاحظوا إشفاقَهم، ولكن الحقّ- سبحانه- اختطفهم عن شُهود إِشفاقهم؛ حيث أَشهدهم مِنَّتَه عليهم حتى قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}.قوله جلّ ذكره: {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بَكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ}.أي أنهم يعلمون أَنَّكَ ليست بك كَهَانةٌ ولا جُنونٌ، وإنما قالوا ذلك على جهة التسفيه؛ فالسّفيهُ يبسط لسانُه فيمن يَسُبُّه بما يعلم أنه منه بريء.{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَِإنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.نتربص به حوادث الأيام؛ فإنّ مِثْل هذا لا يدوم، وسيموت كما مات مِنْ قبْله كُهّانٌ وشعراء.ويقال: قالوا: إنَّ أباه مات شابّاً، ورَجَوْا أَنْ يموت كما مات أبوه، فقال تعالى: {قُل تَرَبَّصُواْ...} فإننا منتظرون، وجاء في التفسير أَنّ جميعَهم ماتوا. فلا ينبغي لأحدٍ أن يُؤمِّلَ موتَ أحدٍ. فَقَلْ مَن تكون هذه صَنعتُه إلاّ سَبَقَتْه المَنيَّةُ- دون أَنْ يُدْرِكَ ما يتمنّاه مِنْ الأمنيّة.قوله جلّ ذكره: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهَذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.أتأمرهم عقولهم بهذا؟ أَم تحملهم مجَاوزة الحدّ في ضلالهم وطغيانهم عَلَى هذا؟قوله جلّ ذكره: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاٍَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ}.إذا كانوا يزعمون أنك تقول هذا القول من ذاتِ نَفْسك فليأتوا بحديثٍ مثلِه إنْ كانوا صادقين فيما رَمَوْك به!